(الحلقة الثانية)
مقاومة الفلسطينيين في الانتفاضة الثالثة (2014-2015م)
نشر يوم الأربعاء 28/09/2016
بقلم: خالد أبو عرفة – مقدسي مبعد
شهدت الانتفاضة الثالثة في مدينة القدس في الفترة ما بين انطلاقتها بتاريخ 2/7/2014م وحتى نهاية العام 2015م، هبتين كبيرتين تركزتا في أسلوبي الدهس وكذلك الطعن بالسكاكين، فيما بات يعرف بثورة السكاكين، وكانت الهبتان بمثابة موجتين تخللهما مد وجزر، وقدم المقدسيون خلال هذه الفترة 51 شهيداً، ونفذوا 14 عملية دهس للجنود والمستوطنين، و48 عملية طعن بالسكاكين، إضافة إلى 10 عمليات إطلاق نار على أهداف اسرائيلية.
المقاومة أثناء الهبة الأولى من الانتفاضة الثالثة
كان استشهاد الفتى المقدسي “محمد أبو خضير”-16 عاماً من حي شعفاط في مدينة القدس-حرقاً على يد المستوطنين بعد اختطافه فجر يوم 2/7/2014م، وكذلك محاولة خطف الطفل “موسى زلوم” في اليوم الذي سبق ذلك، نقطة تحوّل في مقاومة المقدسيين للاحتلال. إذ حملت هذه المرحلة من المقاومة بذور الانتفاضة الثالثة وتجلّت في تنامي المشاعر الوطنية في أوساط الشباب والفتيان، الذين بادروا بالدعوة إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية، واستبدال الفتيان الأغاني الوطنية بدل الاستماع إلى الأغاني العبرية التي راجت بعض الوقت.
وقد انطلقت الهبة الأولى ثأراً للفتى “أبو خضير”، من خلال منشور عبر شبكات التواصل الاجتماعي يشير إلى “اختطاف شاب في شعفاط من قبل المستوطنين وقتله”. ومع تأكد استشهاد الفتى تحوّل التوتر في الحيّ إلى موجات من الغضب في كافة أحياء المدينة، وصبّ الشبان جام غضبهم على “القطار الإسرائيلي الخفيف” ومحطاته الثلاث، والذي يوصل بين المستوطنات القابعة على أراضي المواطنين مخترقاً حيّ شعفاط، كما انتشرت موجات الغضب في أحياء البلدة القديمة وسلوان ورأس العامود وجبل المكبر وصور باهر، وكذلك في حيّ الطور والعيسوية وواد الجوز ومخيم شعفاط. حيث قام الشبان المقدسيون بإلقاء الحجارة تجاه قوات الاحتلال وأغلقوا الطرقات بحاويات النفايات، ورشقوا مركبات الاحتلال بالزجاجات الحارقة وأحرقوا عدداً منها، ورفعوا الأعلام الفلسطينية على أعمدة الكهرباء والإشارات الضوئية، وقد أدخل الشبان الفلسطينيون أسلوباً جديداً في المقاومة تمثل في إطلاق المفرقعات النارية باتجاه الجنود ومركباتهم. وكانت معظم عمليات المقاومة تحدث ليلاً، إذ صادف حلول شهر رمضان، فكان الشبان يفطرون وقت المغرب ويسارعون لمواجهة قوات الاحتلال، ويبقون في مقاومتهم حتى بزوغ الفجر.
تطوّر أساليب المقاومة
أشغلت مقاومة المقدسيين أجهزة الإحتلال ما يزيد عن شهرين، بذات النسق من الوسائل والأساليب، إلا أن عنف الاحتلال وقسوته في التعامل مع المقدسيين، دفع المقدسيين لانتهاج أسلوبٍ أكثر جرأة وشجاعة، فبادر عدد من الشبان بدهس الجنود والمستوطنين بسياراتهم الخاصة. وكان أول هذه العمليات قيام شاب مقدسي بتاريخ 22/10/2014م بدهس امرأتين اسرائيليتين في محطة القطار الخفيف في حيّ الشيخ جراح ممّا أدى إلى مقتلهما، ثم توالت عمليات الدهس والطعن بشكلِ متسارع، وشاع تأييد ظاهرة الدهس بين المقدسيين وأطلقوا عليها لقب “داعِس” -بحرف السين -في إشارة لعملية الدهس، وخصّص لها الناشطون صفحة خاصّة على شبكات التواصل الإجتماعي “الفيسبوك”، وتجاوز عدد المشتركين فيها 20 ألفاً خلال 36 ساعة فقط.
وقد شهدت مدينة القدس في (فترة الهبة الأولى من الانتفاضة الثالثة)، أي بين 1/7/2014-1/10/2015م، 7 عمليات دهس واشتباه بالدهس لجنود ومستوطنين اسرائيليين، إحداها بواسطة جرافة، كما شهدت المدينة 14عملية طعن واشتباه بالطعن، و4 عمليات إطلاق نار، و5 عمليات زرع عبوات ناسفة، وقدّرت جهات اسرائيلية رسمية متوسط عدد الزجاجات الحارقة الملقاة تجاه أهداف اسرائيلية خلال الأشهر الأربعة الأولى من حادثة خطف الطفل أبوخضير بـ 70 زجاجة شهرياً، إضافة إلى 5000 حادثة إلقاء حجارة شهرياً.
وكانت معطيات جهاز الأمن العام (الشاباك) الإسرائيلي قد أشارت في نهاية شهر أيلول من عام 2014م، إلى أن ارتفاعاً كبيراً حصل في عمليات المقاومة في مدينة القدس، في النصف الثاني من العام 2014م، ففي مقابل 11 هجوماً وقعت في شهر حزيران 2014، ارتفعت لتصل إلى 83 هجوماً في شهر تموز من نفس العام، منها 77عملية إلقاء زجاجات حارقة، وخمس عبوات ناسفة وعملية إطلاق نار واحدة. بينما انخفضت العمليات في شهر آب إلى 69 عملية. ويقدر المسؤولون الإسرائيليون عدد عمليات الرشق بالحجارة بـ 5000 عملية شهرياً.
المقاومة أثناء الهبة الثانية من الإنتفاضة الثالثة وتطوّرها
(1/10/2015-31/12/2015م)
بالرغم من أن الهبة الثانية للانتفاضة بدأت غرة شهر تشرين الأول من عام 2015م، إلا أن تقريراً أعدته صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية أرجع بواكير المقاومة إلى شهرين قبل ذلك، وأشار التقرير إلى أن شهري (حزيران وتموز) من عام 2015م شهدا 580 عملاً مقاوماً ضد المستوطنين وقوات الاحتلال، وأن هذه الأعمال تشمل الرشق بالحجارة وإلقاء الزجاجات الحارقة والمفرقعات وتخريب الممتلكات العامة الإسرائيلية، ولفت التقرير إلى تصرّيح مسؤول قسم الأمن والطوارئ في بلدية الإحتلال في أن “إرهاب المقاومة” يتفشى في مدينة القدس.
وفي أعقاب عملية الطعن الأولى على يد الشاب “مهند حلبي” بتاريخ 3/10/2015م، والتي أسقطت مستوطنين اثنين وأصابت آخرين، نفذ الفلسطينيون 6 عمليات خلال أسبوع واحد فقط، أدت إلى مقتل اسرائيلي وإصابة 8 آخرين. فيما استشهد ثلاثة من المقاومين بينما اعتقل ثلاثة آخرون. وشهد الأسبوع الثاني عدداً مضاعفاً من العمليات بين 11-18/10/2015م، إذ وقعت 13 عملية مقاومة، منها 10 عمليات طعن ودهس، أدت إلى مقتل ثلاثة اسرائيليين وإصابة 23 آخرين، فيما استشهد 9 مقاومين وأصيب واعتقل أربعة آخرون. أما شهر تشرين الثاني فقد انخفضت فيه عمليات المقاومة، فشهد 6 عمليات طعن وثلاث عمليات دهس، أدت بالمجمل إلى قتل اسرائيلي واحد وإصابة 10 آخرين، فيما استشهد 7 مقاومين واعتقل 5 آخرين. وفي الشهر الأخير من عام 2015م وقعت 11 عملية، 7 منها طعناً بالسكين، و3 عمليات دهس، إضافة إلى عملية إطلاق نار واحدة، وأدت جميعها إلى مقتل اسرائيليين اثنين وإصابة 26 آخرين. فيما استشهد 10 مقاومين وأصيب واعتقل ثلاثة آخرون.
بمعنى أن إجمالي ما شهدته مدينة القدس في الفترة (1/10/2015-31/12/2015م) من الانتفاضة الثالثة هي: 7 عمليات “دهس واشتباه بالدهس” لجنود ومستوطنين اسرائيليين، و34 عملية “طعن واشتباه بالطعن”، و6 عمليات إطلاق نار، وزرع عبوة ناسفة واحدة.
إحصائيات مقارنة
وفي دراسة مجملة لأحداث العامين الماضيين (2014-2015م) كشفت “شبكة فلسطين للحوار” في تقريرها السنوي للعام 2015م أن فلسطين شهدت العام الماضي 5383 عملية مقاومة، من بينها 156 عملية طعن أو محاولة طعن، و42 عملية دهس، و123 عملية إطلاق نار، و193 عملية إلقاء عبوات ناسفة محلية الصنع، و1043 عملية إلقاء زجاجات حارقة. ويشير التقرير إلى أن عمليات الطعن في عام 2015م ارتفعت عن عام 2014م بعشرة أضعاف 16: 156عملية، بينما ارتفعت عمليات إطلاق النار قريباً من الضعفين 79: 124 عملية، وكذلك ارتفعت عمليات الدهس بخمسة أضعاف 8:42 عملية، وعمليات إلقاء العبوات الناسفة محلية الصنع بضعفين ونصف 75: 193 عملية.
وكان تقرير قد صدر عن جهاز الشاباك الإسرائيلي بتاريخ 17/12/2015م، قارن بين عمليات مدينة القدس خلال الفترة (1/10-15/12/2015م)، إلى مجموع العمليات في الأراضي الفلسطينية البالغة 109 عملية، حيث كشف عن أن 26 عملية فدائية وقعت في مدينة القدس وحدها، أي بنسبة 18% من أحداث الأراضي الفلسطينية، فيما شارك مقدسيون بـ 75% من الأعمال الفدائية داخل الأراضي الفلسطينية عام 1948م، والتي بلغت 16 عملية فدائية. وأشار التقرير أن 39% من أعمال المقاومة في مدينة القدس نفذها شبان أعمارهم بين (21-25) سنة، وأن ما نسبته 37% من أعمال المقاومة نفذها شبان أعمارهم بين (16-20) سنة، بينما نفذ أطفال دون 16 عاماً ما نسبته 8%. كما صدر عن جهاز مخابرات الاحتلال “الشاباك” بتاريخ 23/2/2016م، إحصائية تتعلق بالضفة الغربية عموماً، وأشارت إلى أن عدد العمليات التي تم التخطيط لها ولم تنفذ بين الأول من أكتوبر 2015م ومنتصف شباط لعام 2016م، هي: 19 محاولة عملية خطف، 12 عملية استشهادية، 120 عملية إطلاق نار،41 عملية وضع عبوات ناسفة، 37 عملية طعن، 10 عمليات دهس.
مقاومة المقدسيين لاحتجاز جثامين الشهداء وهدم بيوتهم
كشفت وسائل الإعلام عن تباين في وجهات النظر بين المسؤولين الإسرائيليين، حول الموقف من الاحتفاظ بجثامين الشهداء، ويبدو أن المقاومة التي أبداها الشارع المقدسي والمسيرات الجماهيرية المطالبة بالإفراج عن الجثامين وما صاحبها من توتر واحتكاك مع قوات الإحتلال، دفعت العسكريين الإسرائيليين باتجاه تأييد الإفراج عن الجثامين، وقد بدأت سلطات الإحتلال فعلياً بالإفراج عن الجثامين تدريجياً.
وكان ذوو الشهداء وكذلك محاموا مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان، قد اعتبروا هذه الشروط عقاباً جماعي للعائلات الفلسطينية، وأن فيها إهانة للمعتقدات الدينية للمجتمع الفلسطيني، وأن دفن الجثامين بعيداً عن أماكن الدفن المعتادة انتهاك وتعذيب نفسي لذوي الشهداء، وأن ذلك يأتي ضمن حملة وسياسة التطهير العرقي والمكاني التي يتعرض لها المواطنون الفلسطينيون في القدس. واعتبر ذوو الشهداء وكذلك ممثلوا “مؤسسة الضمير”، أن الاحتفاظ بجثامين الشهداء ورفض فتح تحقيق في أسباب الوفاة يهدف الى حجب الحقيقة وتزويرها، ويؤكد على استمرار الاحتلال في سياسة إعدام الفلسطينيين خارج نطاق القانون، وبغطاء كامل من الجهات السياسية والقضائية والأمنية في دولة الاحتلال.
واعتبر أكاديميون ومحامون مقدسيون تأخير سلطات الإحتلال تسليم الجثامين، سلوكاً مناقضاً لما نصت عليه العهود والمواثيق الدولية، ومنافياً لتوجيهات الشرائع السماوية، ويخرج من إطار القانون إلى إطار الانتقام والإذلال. وأكدوا على أن السلطات تبغي من سلوكها تعذيب أهالي الشهداء وتلقينهم درساً يردعهم عن القيام بما قام به صاحب الجثمان، فلا يكملوا مسيرة المقاومة التي سار بها أبناؤهم. كما يهدف الإسرائيليون إلى ابتزاز عائلات الشهداء قبل تسليمهم الجثامين، من حيث الزمن والعدد والشكل والمراسم والمال. فهم يريدون أقل عدد ممكن من الأفراد لحضور مواراة الجثمان الثرى، لئلا ينقلب هذا الشهيد إلى قديس يؤرق حياة الإسرائيليين فيما بعد، وحتى يدلل الإسرائيليون على أن فعلته لم تلق إلا تأييد القليل من أبناء شعبه، وأن فعلته قادت إلى وضع مرير. ويشترط الإسرائيليون مواراة الجثمان ليلاً، كناية عن قلة الاحترام للجثمان وبخاصة الإحترام الديني. حيث أنه من المألوف شرعاً واجتماعياً وأخلاقياً تشييع الجثمان ودفنه في وضح النهار وليس في عتمة الليل وظلمته. إضافة إلى أن ذوي الشهداء يرفضون تشريح الجثامين، فهم يخشون أن تكتشف أعضاء مسروقة بدون موافقة أهلها، كما ثبت في كثير من الحوادث. وسببٌ آخر تحتجز سلطات الاحتلال الجثامين لأجله، وهو كي لا تبدو مدينة القدس (فلسطينية) كمدن الضفة الغربية. ومن الجدير ذكره أن سجلات البيانات الرسمية لدى السلطة الفلسطينية، تحصي احتجاز الاحتلال 268 جثماناً لشهداء فلسطينيين فيما بات يسمى “مقابر الأرقام” منذ سنوات طويلة، إلى جانب 19 جثماناً لشهداء قتلوا في العدوان الأخير على غزة عام 2014م.
كذلك قاوم المقدسيون سياسة هدم بيوت منفذي العمليات الفدائية، وذلك من خلال العمل الدؤوب على جمع الأموال اللازمة لإعادة بناء المهدوم من هذه البيوت. حيث انطلقت. الحملة في مخيم شعفاط من أجل إعادة بناء بيت الشهيد إبراهيم العكّاري، ثمّ انتقلت الحملة إلى نابلس ورام الله في الضفة الغربية.
المراجع:
“الشاباك: الشبان والضفة يتصدرون عمليات الإنتفاضة”، شبكة قدس الإخبارية
“القدس هبة شعبية بلا قيادة”، عبد الرؤوف الأرنأوط
وكالة شهاب نيوز للأنباء
وكالة كيوبرس الإخبارية، 3/1/2016م.
“متى تسلم اسرائيل جثامين الشهداء”، المحامي ابراهيم شعبان،
صحيفة القدس 5/12/2015م.
وكالة وفا الإخبارية 20/12/2015م.
أحدث التعليقات