(الحلقة الثالثة)
سمات وخصائص الانتفاضة الثالثة
نشرت بتاريخ: السبت 01/10/2016
خالد أبوعرفة – مقدسي مبعد
امتازت الانتفاضة الثالثة عن الانتفاضتين الأولى والثانية بعدة سمات، فبينما غلب على الانتفاضة الأولى (1987-1994م) الحراك الشعبي الشامل، وكذلك التزام الجماهير بتوجيهات القيادة المركزية للانتفاضة، فقد غلب على الانتفاضة الثانية (2000-2004م) تحولها السريع نحو العمل العسكري الصّرف، إضافة إلى الانخراط النسبي في الانتفاضة من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، أما الانتفاضة الثالثة (2014-2016م)، فقد امتازت بغياب القيادة المركزية الموجهة للانتفاضة الأمر الذي أدى إلى شيوع أسلوب العمليات الفردية في مقاومة الاحتلال، وباختيار أسلوبي الدهس والطعن بشكل أساس، وبمشاركة القاصرين والأطفال، إضافة إلى امتيازها بظاهرة “الاقتداء” بالمقاومين، وظاهرة “الثأر” من جنود الاحتلال والمستوطنين.
ظاهرة العمليات فردية
تميزت الانتفاضة الثالثة وحتى نهاية العام 2015م بالعمليات الفردية غير التنظيمية، انطبق هذا الوصف على الأغلبية الساحقة لعمليات الدهس والطعن، إضافة إلى العمليات المسلحة والتي وصفت بالعسكرية، ويظهر لنا بأن 76 نشاطاً مقاوماً، نفذه أشخاصٌ بشكل فردي. يضاف إليها النشاط اليومي من إلقاء الزجاجات الحارقة والقذف بالحجارة. إلا في حالة واحدة خطط خلالها مجموعة من طلاب جامعة القدس، لتأسيس مختبر لإعداد العبوات والأحزمة الناسفة، وقد تم اعتقالهم قبل التنفيذ أوائل شهر تشرين الثاني من عام 2015م .
ظاهرة الدهس
كانت أول عملية دهس بعد شهر من اندلاع الانتفاضة الثالثة، وذلك بتاريخ 04/08/2014م، حيث أقدم الشاب المقدسي “غسان أبو طير” الذي يقود جرافة على الاصطدام بحافلة اسرائيلية في شرقي القدس، ممّا أدى إلى مقتل اسرائيلي وجرح أربعة آخرين. ثم اقتدى به الشاب “عبد الرحمن الشلودي”، حين قام بدهس عدد من المستوطنين بالقرب من محطة القطار الخفيف بمدينة القدس المحتلة بتاريخ 23/10/2014م، مما أدى إلى مقتل اسرائيليين وإصابة ثمانية آخرين. تلا ذلك قتل اسرائيليين وإصابة 14 بجراح مختلفة في عملية “دهس” نفذها الشاب المقدسي “إبراهيم العكاري” من سكان “مخيم شعفاط”، بتاريخ 5/11/2014م. وهكذا استمر مسلسل الدهس حتى بلغ مجموع عمليات الدهس في الانتفاضة الثالثة 14 عملية.
ظاهرة الطعن بالسكين
جدّد المقدسيون في (الهبة الثانية) من عام 2015م استخدام أسلوب الطعن بالسكاكين ضد قوات الاحتلال والمستوطنين. وأحدث استخدام السكين في مقاومة الاحتلال رعباً كبيراً في أوساط الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، وقد نفذ الفلسطينيون في مدينة القدس 48 عملية طعن خلال الانتفاضة الثالثة وحتى نهاية العام 2015م. مما جعل الإسرائيليين يشكّون بكل فلسطيني، كبيراً كان أو صغيراً، ذكراً أو أنثى، ويرون فيه خطراً حقيقياً، حتى كان متوسط عدد التبليغات الصادرة عن المستوطنين للجهات الأمنية المختصة يزيد عن عشرة آلاف تبليغ، وقد وصلت هذه التبليغات ذروتها في يوم الجمعة الموافق 9/10/2015م، إذ بلغت 25 ألف تبليغاً على صعيد الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس.
ويفسّر المقدسيون سبب استخدامهم للسكين في الانتفاضة الثالثة بقولهم: “إن سلاح السكين خفيف الحمل وقليل الكلفة، يرهب العدو بشكل كبير جدًّا، ويوجعه ويربكه”. وكان الأسير المحرر “عامر سرحان”، قد فجر ثورة السكاكين في عام 1990م من الانتفاضة الأولى، عندما قام بتاريخ 21/10/1990م بقتل وجرح عددٍ من الإسرائيليين غرب مدينة القدس، ثأراً لشهداء المسجد الأقصى الذين سقطوا قبل أسبوعين من ذلك التاريخ بأيدي قوات الاحتلال، فيما بات يعرف بمجزرة الأقصى.
مشاركة القاصرين والأطفال
وهي من أبرز سمات الانتفاضة الثالثة، حيث يصعب على قوات الاحتلال التنبؤ بالأحداث التي يشارك فيها أطفال وفتيان صغار، بسبب غياب الخلفية التنظيمية الحزبية لهؤلاء الأطفال، ولم تكن هذه الظاهرة مدروسة من قبل الاحتلال كونها غير مسبوقة. وفي هذا السياق يقول مسؤول أمني إسرائيلي كبير “إن زرع مخبرين وسط “منظمة إرهابية” أمرٌ سهل، ويمكن للأجهزة الأمنية الإسرائيلية اكتشاف بعض العمليات قبل حصولها، ولكن من المستحيل زرع مخبر في رأس مواطن أوى إلى فراشه وقام صباحاً وقرّر أن يقوم بعملية طعن أو دهس”.
وكان دور الأطفال فيما مضى من الانتفاضات يقتصر على رمي الحجارة أو مساعدة المقاومين المطلوبين للاحتلال بالتخفي، أو كشف الطريق لهم وخلوّها من جنود الاحتلال. وقد طالبت جهات رسمية فلسطينية تحييد الأطفال عن الانخراط بعمليات الطعن، وتحديداً قرب حواجز الاحتلال، بحجة انتهاء المحاولات غالباً باستشهادهم، دون أن يوقعوا إصابات في صفوف الاحتلال.
شبكات التواصل الاجتماعي
منذ اندلاع (الهبة الثانية) من الانتفاضة في الأول من تشرين الأول أكتوبر من عام 2015م، اندلعت انتفاضة أخرى في العالم الافتراضي على “شبكات التواصل الإجتماعي”. وذلك بتداول النشطاء الفلسطينيين للتّغريدات والتّدوينات الخاصّة بالإنتفاضة، وتمجيد عمليّات الطعن والدهس وإطلاق النّار تجاه الإسرائيليّين، وكذلك بث صور عمليات المقاومة وصور منفذيها. وبات الفلسطينيّون بغالبيتهم يملكون حسابات شخصية على “فيسبوك” و”تويتر”، وذلك بحسب مؤسّسة “سوشيال ستوديو” غير الحكومية.
وقد لجأ الفلسطينيون إلى “إعلام شبكات التواصل” في الانتفاضة الثالثة، نظراً لدوره المهم في نشر فعالياتها وأحداثها، وقدرته على حشد الجمهور الفلسطيني. وفي الوقت الذي تشهد فيه عمليات الانتفاضة بعض الهدوء أحياناً، فإن “شبكات التواصل الإجتماعي” تواصل عملها المقاوم، عبر المنشورات والتغريدات والتعليقات المختلفة.
وقد عاملت حكومة الاحتلال نشطاء شبكات التّواصل بقسوة شديدة، وحكمت عليهم بأشهر طويلة من الإعتقال والغرامات، وتسببت بإغلاق عشرات الصفحات للنشطاء الفلسطينيين، في أعقاب اتفاق حصل بتاريخ 24/11/ 2015م، بين وزارة الخارجية الإسرائيلية وإدارة شركات غوغل ويوتيوب وفيسبوك، يقضي بمحاربة “التحريض” من قبل الفلسطينيين عبر صفحاتها. وقد اتخذت الحكومة الإسرائيلية جملة من الإجراءات، أهمها تجنيد ما يقرب من 5 آلاف حساب وهمي على شبكات التواصل، يديرها اسرائيليون يتقنون اللغتين الإنكليزية والعربية، وذلك لمحاربة الصفحات الفلسطينية على شبكات التواصل وتدميرها، وكذلك تقديم بلاغات إلى إدارة “فيسبوك” ضدّ المئات منها.
خلفيات عمليات المقاومة
تعدّدت الدوافع وراء قيام الشبان المقدسيين بتنفيذ عمليات المقاومة المختلفة ضد الاحتلال، وقد أجمع المحللون على أن شراسة الاحتلال في التعامل مع الفلسطينيين ومقدساتهم وممتلكاتهم تؤسس في العادة للاحتقان الذي يولد أشكال المقاومة. وقد أقرت دراسة أجراها جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد شهرين من اندلاع الانتفاضة الثالثة ووصفها بالمكثفة واعتمدت على طابع الاستقصاء، أن الدوافع الحقيقية وراء عمليات المقاومة الفلسطينية الفردية تكمن ب”الاقتداء والانتقام”. حيث شكل “دافع الانتقام” سبباً أولاً للمقاومة. خصوصاً لما يتعرض له المسجد الأقصى من انتهاك وتدنيس. وجاءت هذه الدراسة لتعارض التصريحات الإسرائيلية الرسمية التي حاولت طيلة الوقت الادعاء بأن “دافع التحريض” هو السبب الرئيس وراء تنفيذ الفلسطينيين لعمليات المقاومة الفردية.
ويدلل على دافع الانتقام أيضاً، ما كتبه الشهيد “مهند حلبي” على حسابه في شبكة التواصل ليلة إقدامه على طعن اسرائيليين في البلدة القديمة حيث جاء فيه: “ما يجري للأقصى هو ما يجري لمقدساتنا ومسرى نبينا، وما يجري لنساء الأقصى هو ما يجري لأمهاتنا وأخواتنا، فلا أظن أن شعبنا يرضى بالذل. الشعب سينتفض بل ينتفض”. كذلك تمثل حالة المقاوم المقدسي “معتز حجازي” نموذجاً واضحاً لدافع الانتقام، حيث قام حجازي بتاريخ 29/10/2014، بإطلاق النار على الحاخام اليهودي المتطرف “يهودا غليك” من “مسافة صفر”، بسبب حملاته المتكررة على اقتحام المسجد الأقصى بصحبة عشرات المستوطنين.
أما “دافع الاقتداء” فينطبق على قائمة المنفذين للعمليات التي تلت عمليتي “حلبي” و”حجازي”، حيث أقدم شابان مقدسيان من جبل المبكر، هما “غسان وعدي أبو جمل”، بتنفيذ عملية فدائية مشتركة بعد ثلاثة أسابيع فقط من عملية “معتز حجازي”، فاقتحما معهداً لتخريج المستوطنين المتدينين بتاريخ 18/11/2014، فقتلوا أربعة من الحاخامات اليهود إضافة إلى شرطي إسرائيلي، وجرحا العشرات من طلبة المعهد.
المصادر:
“هل نحن أمام انتفاضة ثالثة أم هبة شعبية؟”، ياسين عز الدين.
المركز الفلسطيني للإعلام.
“القدس هبة شعبية بلا قيادة”، عبد الرؤوف الأرنأوط، مجلة الدراسات الفلسطينية، ص132.
صحيفة العربي الجديد، 4/12/2015.
“شبكات التّواصل الإجتماعيّ: جبهة قتاليّة جديدة”، عدنان أبو عامر.
د. صالح النعامي، 16/12/2015م.
مركز كيوبرس الإعلامي، 31/12/2015م.
أحدث التعليقات